responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 389
الْإِقْدَامَ عَلَى الْجِهَادِ بَعْدَ الِانْهِزَامِ، وَبَعْدَ أَنْ شَاهَدُوا فِي تِلْكَ الْمَعْرَكَةِ قَتْلَ أَقْرِبَائِهِمْ وَأَحِبَّائِهِمْ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الِابْتِلَاءِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَرَفَهُمُ اللَّهُ عَنِ الْكُفَّارِ مَا كَانُوا مُذْنِبِينَ، فَلِمَ قَالَ: وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ.
قُلْنَا: الْآيَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرِ مَنْ كَانَ مَعْذُورًا فِي الِانْصِرَافِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهُمُ الَّذِينَ بَدَءُوا بِالْهَزِيمَةِ فَمَضَوْا وَعَصَوْا فَقَوْلُهُ: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ رَاجِعٌ إِلَى الْمَعْذُورِينَ، لِأَنَّ الْآيَةَ لَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَى قِسْمَيْنِ وَعَلَى حُكْمَيْنِ رَجَعَ كُلُّ حُكْمٍ إِلَى الْقِسْمِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ [التَّوْبَةِ: 40] وَالْمُرَادُ الَّذِي قَالَ لَهُ: لَا تَحْزَنْ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّهُ كَانَ خَائِفًا قَبْلَ هَذَا الْقَوْلِ، فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا سَكَنَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها [التَّوْبَةِ: 40] وَعَنَى بِذَلِكَ الرَّسُولَ دُونَ أَبِي بَكْرٍ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ جَرَى ذِكْرُهُمَا جَمِيعًا، فَهَذَا جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ الْجِبَائِيُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَزَالَ مَا كَانَ فِي قُلُوبِ الْكُفَّارِ مِنَ الرُّعْبِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عُقُوبَةً مِنْهُ عَلَى عِصْيَانِهِمْ وَفَشَلِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: لِيَبْتَلِيَكُمْ أَيْ لِيَجْعَلَ ذَلِكَ الصَّرْفَ مِحْنَةً عَلَيْكُمْ لِتَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَتَرْجِعُوا إِلَيْهِ وَتَسْتَغْفِرُوهُ فِيمَا خَالَفْتُمْ فِيهِ أَمْرَهُ وَمِلْتُمْ فِيهِ إِلَى الْغَنِيمَةِ، ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ عَفَا عَنْهُمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: قَالَ الْكَعْبِيُّ: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ بِأَنْ لَمْ يَأْمُرْكُمْ بِمُعَاوَدَتِهِمْ مِنْ فَوْرِهِمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ بِكَثْرَةِ الْإِنْعَامِ عَلَيْكُمْ وَالتَّخْفِيفِ عَنْكُمْ، فَهَذَا مَا قِيلَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ: وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ ذَنْبٍ مِنْهُمْ. قَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ ذَلِكَ الذَّنْبُ مِنَ الصَّغَائِرِ صَحَّ أَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ عَفَا عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ الْكَبَائِرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ تَوْبَتِهِمْ لِقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ إِذَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الذَّنْبَ لَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ كَبِيرَةً، لِأَنَّهُمْ خَالَفُوا صَرِيحَ نَصِّ الرَّسُولِ، وَصَارَتْ تِلْكَ الْمُخَالَفَةُ سَبَبًا لِانْهِزَامِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَتْلِ جَمْعٍ عَظِيمٍ مِنْ أَكَابِرِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْكَبَائِرِ وَأَيْضًا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ [الْأَنْفَالِ: 16] يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ كَبِيرَةً، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ خَاصٌّ/ فِي بَدْرٍ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، وَلَا تَفَاوُتَ فِي الْمَقْصُودِ، فَكَانَ التَّخْصِيصُ مُمْتَنِعًا، ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى عَفَا عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، لِأَنَّ التَّوْبَةَ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ، فَصَارَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يَعْفُو عَنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ، وَأَمَّا دَلِيلُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْمَنْعِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ نِعَمِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالنَّصْرِ أَوَّلًا، ثُمَّ بِالْعَفْوِ عَنِ الْمُذْنِبِينَ ثَانِيًا. وَهَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ مُؤْمِنٌ، لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الذَّنْبَ كَانَ مِنَ الْكَبَائِرِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ مُؤْمِنٌ بِخِلَافِ مَا تقوله المعتزلة، والله أعلم.

[سورة آل عمران (3) : آية 153]
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا مَا أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ]

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 389
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست